قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد هادي معرفة
عن الكاتب :
ولد عام 1348هـ بمدينة كربلاء المقدّسة، بعد إتمامه دراسته للمرحلة الابتدائية دخل الحوزة العلمية بمدينة كربلاء، فدرس فيها المقدّمات والسطوح. وعلم الأدب والمنطق والعلوم الفلكية والرياضية على بعض أساتذة الحوزة العلمية، عام 1380هـ هاجر إلى مدينة النجف الأشرف لإتمام دراسته الحوزوية فحضر عند بعض كبار علمائها كالسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، ثم سافر إلى مدينة قم المقدسة والتحق بالحوزة العلمية هناك وحضر درس الميرزا هاشم الآملي. من مؤلفاته: التمهيد في علوم القرآن، التفسير والمفسِّرون، صيانة القرآن من التحريف، حقوق المرأة في الإسلام.. توفّي في اليوم التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من عام 1427هـ بمدينة قم المقدّسة، ودفن بجوار مرقد السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور

كانت العرب ولعلّ البشريّة جمعاء ترى من القلب ـ ومحلّه الصّدر ـ مركزًا للتّعقّل والإدراك وكذا سائر الصّفات النّفسيّة؛ وذلك باعتبار كونه منشأ الحيويّة في الإنسان، فمن القلب تنبثّ الحياة وتزدهر الحيويّة في الإنسان، ومنها النّشاط الفكريّ وتجوال الخواطر وسائر أحوال النّفس من حبّ وبغض وابتهاج وامتعاض! هذا مع العلم بأنّ البشريّة عرفت ـ منذ ألوف السّنين ـ أنّ مركز الإدراك هو الـمخّ ومحلّه الدّماغ من الرّأس، ومنه اشتقاق الرّئاسة لمركزيّة التّدبير. إذن لم تكن مركزيّة الدّماغ للإدراك ممّا تجهله العرب وسائر الناس، فما وجه التوفيق؟

وقد رجّح ابن سينا أن يكون الـمدرك هو القلب وأنّ الدّماغ وسيلة للإدراك، فكما أنّ الإبصار والسّمع يحصلان في مراكزهما من المخّ وتكون العين والأذن وسطًا لهذا الحصول، كذلك الدّماغ وسط للإدراك والتفكير 1.﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ 2

وبذلك يتلخّص الإنسان ـ في نشاطه الفكريّ والعلميّ ـ في قلبه، ويتّحد القلب مع النّفس والرّوح في التّعبير عن حقيقة الإنسان ذاته، ﴿ ... قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ... ﴾ 3 أي نفسي.

قال العلاّمة الطّباطبائيّ: لـمّا شاهد الإنسان أنّ الشّعور والحسّ قد يَبطل في الحيوان، أو يغيب عنه بإغماء أو صرع ونحوهما، ولا تبطل الحياة مادام القلب نابضًا، قطع بأنّ منشأ الحياة هو القلب وسرت منه إلى سائر الأعضاء، وأنّ الآثار الرّوحيّة وكذا الأحاسيس الـمتواجدة في الإنسان ـ من مثل الشّعور والإرادة والحبّ والبغض والرّجاء والخوف ـ كلّها للقلب، بعناية أنّه أوّل متعلّق للرّوح، وهذا لا ينافي كون كلّ عضو من الأعضاء مبدأ لعمل يخصّه، كالدّماغ للفكر والعين للإبصار والأذن للسّمع والرّئتين للتّنفّس ونحو ذلك، فإنّها جميعًا منزلة الآلات والوسط إلى ذلك.

قال: ويتأيّد ذلك بما وجدته التّجارب العلميّة في الطّيور، لا تموت بفقد الدّماغ، سوى أنّها تفقد الشّعور والإحساس، وتبقى على هذه الحال حتّى تموت بفقد الموادّ الغذائيّة وإيقاف نبضات القلب.

والبحوث العلميّة لم توفّق لحدّ الآن للعثور على مصدر الأحكام الجسديّة، أعني عرش التّدبير في البدن، إذ أنّها في عين التّشتّت والتّفرّق في بنيتها ونوعيّة عملها، هي مجتمعة تحت لواءٍ واحد، ومؤتمرة بأوامر أمير واحد، وحدة حقيقيّة من غير انفصام.

وليس ينبغي زعم التّغافل عن شأن الدّماغ وما يخصّه من أمر الإدراك، وقد تنبّه الإنسان لما عليه الرّأس من الأهميّة في استواء الجسد منذ أقدم الزمان، وقد جرى على ألسنتهم التّشبيه بالرّأس والاشتقاق منه حيثما يريدون التّعبير بالمبدئيّة في أيّ شيء.

ولكن مع ذلك نراهم ينسبون الإدراك والشّعور وكذا صفات النّفس ـ ممّا للشّعور فيه حظّ ـ إلى القلب الـمراد به الرّوح السّاطية على البدن والـمدبّرة له، كما ينسبونها إلى النّفس بمعنى الذّات، فلا فرق بين أن يقال: هواك قلبي أو هوتك نفسي. فأُطلق القلب وأُريد به النّفس؛ باعتبار كونه مبدأ جميع الإدراكات (العقليّة) والصّفات (النّفسيّة)، وفي القرآن الشّيء الكثير من ذلك: قال تعالى:﴿ ... يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ... ﴾ 4 ﴿ ... يَضِيقُ صَدْرُكَ ... ﴾ 5﴿ ... وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ... ﴾ 6.﴿ ... إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ 7.

ــــــــــــــــــــــــ

1. راجع: تفسير الميزان، ج2، ص236.

2. القران الكريم: سورة ق (50)، الآية: 37، الصفحة: 520.

3. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 260، الصفحة: 44.

4. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 125، الصفحة: 144.

5. القران الكريم: سورة الحجر (15)، الآية: 97، الصفحة: 267.

6. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 10، الصفحة: 419.

7. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 7، الصفحة: 108.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد